في عصر الهواتف الذكية والمساعدات الصوتية والتطبيقات المجانية، يتكرر سؤال مثير للقلق بيننا جميعًا: هل يستمع الهاتف لما نقوله دون علمنا؟ قد تبدو هذه الفكرة وكأنها مقتبسة من أفلام الخيال العلمي، لكنها ترتبط بشكل وثيق بما يُعرف بـ الإعلانات المستهدفة وخوارزميات التعقب. في هذا المقال، نحاول أن نوضح الحقيقة كما هي، بلغة بسيطة وواقعية، بعيدًا عن التهويل أو الطمأنة الزائفة.
🎯 ما هي الإعلانات المستهدفة؟ ولماذا تظهر لنا ما كنا نفكر فيه؟
الإعلانات المستهدفة هي إعلانات رقمية تُعرض بناءً على سلوكنا الشخصي على الإنترنت: المواقع التي نزورها، التطبيقات التي نستخدمها، الأشياء التي نبحث عنها، وحتى موقعنا الجغرافي. تعتمد شركات كبرى مثل Google و Meta (فيسبوك سابقًا) على تحليل هذه البيانات لتقديم إعلانات “تشبه اهتماماتنا”.
لكن المدهش, أو المزعج, أن البعض يلاحظ أن الإعلان يظهر فور حديثه عن شيء ما، دون أن يبحث عنه على الإنترنت. وهنا تبدأ الأسئلة تظهر: هل الهاتف يسمعنا؟
🎙️ هل الهاتف الذكي يستمع فعلاً لما نقوله؟
الجواب القصير: نعم، ولكن بشروط محددة.
الهواتف لا تستمع إلينا باستمرار بطريقة نشطة، ولكن بعض التطبيقات، خاصة التي تمتلك صلاحية الوصول إلى المايكروفون، قد تقوم بالاستماع حين تكون مفعّلة، وتجمع بيانات صوتية لتحسين خدماتها (مثل المساعد الصوتي أو التحكم الصوتي). وهذه البيانات قد تُستخدم لتحسين استهداف الإعلانات، لكن لا توجد أدلة قاطعة أن الهاتف يسجل كل شيء بصمت طوال الوقت ثم يرسل ذلك للإعلانات.
في عام 2024، كشفت تقارير عن استخدام شركة Cox Media Group (CMG) لتقنية تُعرف بـ “الاستماع النشط”، والتي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل المحادثات الملتقطة عبر ميكروفونات الهواتف الذكية، بهدف تقديم إعلانات مستهدفة بناءً على ما يُقال. وفقًا لتقرير نشرته صحيفة نيويورك بوست New York Post، اعترفت CMG باستخدام هذه التقنية في وثائق تسويقية، مشيرة إلى أن المستخدمين يوافقون على ذلك ضمن شروط الاستخدام عند تنزيل التطبيقات أو تحديثها.
هذا الكشف أثار جدلاً واسعًا حول خصوصية المستخدمين، خاصةً بعد أن قامت شركات كبرى مثل Google وMeta بمراجعة علاقاتها مع CMG، حيث أزالت Google الشركة من برنامج الشركاء الخاص بها، وأعلنت Meta أنها لا تستخدم بيانات الميكروفون للإعلانات وتراجع امتثال CMG لشروط الخدمة الخاصة بها.
🔍 كيف تعمل خوارزميات التعقب؟ ولماذا نشعر أنها “تقرأ أفكارنا”؟
خوارزميات التعقب لا تحتاج إلى الاستماع لما نقول. هي ببساطة تحلل سلوكنا الرقمي بدقة مذهلة:
- تتابع مواقعنا المفضلة.
- تحفظ عمليات البحث التي قمنا بها.
- تدمج بين بيانات جهازنا وموقعنا الجغرافي.
- تتبع تفاعلنا مع الإعلانات السابقة.
هذا الدمج الذكي بين البيانات يجعل الإعلان يبدو كأنه يعرفنا تمامًا. قد نتحدث عن منتج، وفي نفس اليوم يبحث عنه صديقنا، ونستخدم نفس شبكة Wi-Fi. هذه العوامل كافية لربط الاهتمام بالإعلانات، دون الحاجة للاستماع الفعلي لنا.
🔒 كيف نحمي خصوصيتنا من الإعلانات المستهدفة وخوارزميات التعقب؟
إذا كنا من المهتمين بالخصوصية الرقمية، فإليك بعض الخطوات البسيطة لتقليل التتبع:
- مراجعة صلاحيات التطبيقات: خصوصًا الوصول إلى المايكروفون والموقع.
- استخدام متصفحات تركّز على الخصوصية: مثل Brave أو Firefox.
- تفعيل ميزة “عدم التتبع” في إعدادات المتصفح.
- استخدام VPN موثوق لإخفاء عنوان IP الحقيقي.
- حذف أو تقييد تتبع الإعلانات المخصصة من إعدادات Google وMeta.
🤔 هل كل هذا يعني أن خصوصيتنا انتهت؟
ليس بالضرورة. لكننا نعيش في واقع رقمي يعتمد على البيانات. كل خدمة مجانية تقريبًا تجمع نوعًا من المعلومات عنا – أحيانًا لتقديم تجربة أفضل، وأحيانًا لأغراض تجارية بحتة. المفتاح هو الوعي: أن نعرف ما الذي نشاركه، ومع من.
🧠 خلاصة: هل الهاتف يستمع إلينا؟ أم أن خوارزميات التعقب هي الأذكى؟
لا يمكن التعامل مع هذا السؤال بإجابة واحدة، لأن آليات التتبع والاستهداف تعتمد على أكثر من وسيلة. في حالات معينة، يكون استخدام الميكروفون جزءًا من وظيفة التطبيق نفسه، لكن الأهم والأكثر استخدامًا هو تحليل البيانات السلوكية بشكل مباشر من التطبيقات والمتصفح ونظام التشغيل.
الإعلانات التي تظهر لنا لا تأتي من فراغ، بل من قاعدة بيانات مترابطة تم جمعها من مئات الإشارات الرقمية مثل: التوقيت، الموقع، نوع الجهاز، مدة الاستخدام، وحتى نمط التفاعل داخل التطبيقات. هذه العوامل كافية لبناء ملف سلوكي دقيق دون الحاجة إلى تسجيل صوت المستخدم.
من وجهة نظر تقنية، الشركات لا تحتاج فعليًا إلى استماع صوتي نشط، لأن ما تجمعه من بيانات سلوكية يعطيها دقة كافية لاستهداف المستخدمين بإعلانات مخصصة. وهذا ما يجعل الخوارزميات هي الطرف الأقوى في هذه المعادلة، وليس الميكروفون.
📚 هل نال الموضوع اهتمامكم؟ اطّلعوا على المزيد في قسم المقالات العامة، حيث نعرض موضوعات تقنية ومعلوماتية مبسّطة تهم كل من يواكب تطوّرات العصر الرقمي.